اضطراب الشخصية النرجسية في العلاقات الزوجية

اضطراب الشخصية النرجسية في العلاقات الزوجية

اضطراب الشخصية النرجسية هو مرض نعني به تضخم الأنا إذ دائما ما يعتقد المريض أنه الأفضل بين الجميع وأنه يستحق الأفضل ويستحق أن يتم تبجيله وأن يعامل معاملة خاصة على جميع المستويات ويرسم صاحب الشخصية النرجسية لنفسه صورة مثالية يؤمن بها حتى وإن لم تكن صحيحة وحتى وإن لم تكن تلك نظرة الأشخاص إليه في الواقع. ومن منطلق النرجسي بأنه الأفضل بين الجميع يرى دائما أن الاستحقاق ينبغي أن يكون من نصيبه ولذلك فإن كل علاقاته قائمة على تلبية رغباته واحتياجاته الخاصة بغض النظر عن مشار واحتياجات الشخص المقابل. ويعتبر اضطراب الشخصية النرجسية من الأمراض النفسية التي من الممكن أن تصيب كلا الجنسين وبالتالي قد نجد في العلاقة الزوجية أحد الطرفين يعاني من هذا الاضطراب.

تجدر الإشارة أولا إلى أن اضطراب الشخصية النرجسية هو مرض وبالتالي لا يمكن تشخيصه إلا من طرف المختص وعن طريق عدة حصص يحاول خلالها المختص أن يرصد جملة من العلامات التي تساعده على تحليل شخصية المريض والشك في أنه حامل لهذا النوع من الاضطراب ولعل أهم هذه العلامات هي حب الذات ورغم أنها صفة جيدة ومن الواجب توفرها لدى الجميع إلا أن حب الذات لدى النرجسي يكون مفرطا بحيث يكون على حساب الآخرين بأنانية مطلقة كما يعتقد الشخص النرجسي أنه يستحق دائما الأفضل على جميع المستويات ودائما ما ينتظر معاملة خاصة يتم فيها تبجيله داخل المجموعة و إلى جانب هذه العلامات تتميز الشخصية النرجسية بقدرتها الكبيرة على التلاعب بالآخرين واستغلالهم لإعتقادها أن الجميع موجودين فقط خدمة لرغباتها ولتلبية احتياجاتها دون إيلاء أي أهمية لمشاعر الآخرين في العلاقة بغض النظر عن شكلها كما يتميز الشخص النرجسي بفرط غيرته من علاقاته سواء من الأصدقاء أو الشريك ولذلك فإنه يعمل دائما على اختيار علاقاته بدقة وإحكام بحيث يكون الشريك شخصا متميزا وله مكانة اجتماعية وجمالا باهرا ويعمل الشخص النرجسي على السيطرة على الشريك من خلال محاولة عزله عن كل الأشخاص المحيطين به ومحاولة إبعاد كل احتمالات هروب الشريك لأن النرجسي يكون واع جدا بأنه يؤذي شريكه وبأن الشريك قد يتفطن يوما ما ويقرر إنهاء العلاقة لذلك يحاول أن يجعل الشريك متعلقا به عاطفيا ويحاول أن يسيطر على أمواله حتى لا يجد الشريك أي منفذ لإنهاء العلاقة وأخيرا يشعر النرجسي دائما بحب البروز لذلك يعمل دائما على تقزيم انجازات الآخرين مقبل الرفع من قيمت الذاتية حتى يضل الأفضل أمام أعين الآخرين.

توجد عدة عوامل تساهم في نحت الشخصية النرجسية ومن بينها العوامل الجينية أو البيئة العائلية أو الاجتماعية التي نشأ فيها الطفل فالطفل الذين كان أحد آبائه نرجسيا وسلط عليه عنفا ماديا أو معنويا بهدف تقزيمه من الممكن أن يساهم هذا السلوك في جعل الطفل نرجسيا حيث يقوم الدماغ في محاولة للسيطرة على حجم المشاعر السلبية التي يتلقاها إما من الوالدين أو المحيط الخارجي كالمدرسة من خلال السيطرة على مشاعره حتى يفقد الإحساس بالعنف المسلط عليه ثم يقوم بمحاولة رسم شخصية مثالية لإبهار الأفراد الذين يقومون بتقزيمه دائما وتساهم ثقافة الخوف من الفشل التي يزرعها الآباء في أبنائهم من خلال محاولة جعلهم الأفضل دائما وعقابهم على كل حالات الفشل التي تحصل لهم على المستوى الدراسي أو الاجتماعي في رسم الشخصية النرجسية.

يعتبر الشخص النرجسي أنه الأفضل بين الجميع وأن لا أحدا قادرا على أن يتفوق عليه ومن هذا المنطلق فإنه يختار ضحاياه في العلاقة على أساس تفوقهم كذلك إذ دائما ما يميل إلى اختيار شركاء لديهم مكانة مرموقة اجتماعيا سواء على الصعيد المهني أو على الصعيد الشخصي شكلا ومضمونا ولديهم نوع من الاستقلالية. ويقوم الشخص النرجسي في بداية العلاقة بمراقبة الشريك لتحديد مجالات اهتمامه وفهم شخصيته حتى يقوم النرجسي بالاقتراب منه بسهولة وإيهام الشخص المقابل أنه الشريك المثالي الذي يشبهه في اهتماماته وصفاته كما يكون الشخص النرجسي في بداية العلاقة مفرط الاهتمام بالشريك حاضرا في كل الأوقات مما يجعل الشخص المقابل تدريجيا يتعلق تعلقا شديدا بالنرجسي ويرى أنه الأفضل وأنه قادر على تعويض باقي الأشخاص في محيطه وعندها يبدأ الشريك بالابتعاد عن علاقاته من أصدقاء وزملاء ويعزل نفسه و يعتبر الشريك النرجسي محور حياته ولا حاجة له بغيره وعندما يتفطن النرجسي أن الضحية وصلت إلى هذه المرحلة يتغير بصورة مفاجئة دون أي أسباب إذ يمكن أن يختفي لفترة طويلة دون أن يخبر الشريك عن السبب ثم يعود في مرحلة ثانية ليلقي اللوم عليه ويحمله مسؤولية تغير سلوكه حتى تبدأ الضحية في الاقتناع تدريجيا أنها مسؤولة عن كل ما تتلقاه من معاملة سيئة وهنا تدخل الضحية في دوامة لا تستطيع الخروج منها وهيا الاعتقاد الدائم بالذنب والمسؤولية عن كل ما يحدث لها مقابل التبرير وتنزيه الشريك عن كل ممارسة سيئة يقوم بها في حق الضحية.

يعيش المرضى الذين يعانون من بعض الأمراض النفسية من حالة من الإنكار التي تجعلهم غير قادرين على التفطن لمرضهم وغير قادرين على الاقتناع بوجوده وينطبق هذا الأمر على حالة المصاب باضطراب الشخصية النرجسية الذي لا يكون واع أبدا بمرضه وبالتالي لا يرى أنه بحاجة إلى زيارة المختص ولذلك يتم عادة اكتشاف المريض باضطراب الشخصية النرجسية إما في حصص العلاج الثنائية بين الشريكين أو عندما يعاني من مرض نفسي آخر ذلك أن الشخصية النرجسية معرضة أكثر من غيرها للإصابة بحالات نفسية أخرى من بينها الاكتئاب أو الإدمان ويمكن للطبيب أن يكتشف هذا الاضطراب عندما يكون بصدد معالجة الحالة النفسية للمريضة وعادة لا يقوم الأطباء بمواجهة المريض مباشرة خوفا من هروبه من العلاج لذلك يتم إخضاعه إلى العلاج السلوكي المعرفي أو بعض العلاجات الأخرى النفسية التي تسعى إلى مساعدة المريض وإقناعه بحالته والعمل على علاجها ويكون العلاج عادة طويل الأمد ولكن يمكن أن يشفى المريض إذا كان متعاونا واقتنع بمرضه وبضرورة العلاج.